إلى إبراهيم محمد على
مريض الـ "لوكيميا" ذي الأعوامِ الستة عشرة
الذي أسلمَ الروحَ بين يديَّ أثناء نوبتجيةِ الأمس
وماتَ صبيٌ آخر
..ًولم أفعلْ شيئا
...
كان قد مضى يومان
عرفتُ فيهِما الصبيَّ وأمَّه
ورأيتُ من بعيدٍ أغلبَ ذويه
له اخوةٌ صغار
له أبٌ وأعمامٌ وأخوالٌ
له تاريخٌ آخر غير تاريخِه المرضي
له عقلٌ لم يفسدْه المرضُ
له قلبٌ لم تطُلْه قسوةُ الأيامِ
له إرادةٌ صارعَت حتى اللحظاتِ الأخيرة
له مستقبلٌ انتهى قبل أن يبدأً
...
في إبراهيم رأيتُ ألوانَ الحياة
..!!وبالأمسِ رأيتُ فيه لونَ الموت
للموتِ لونٌ لا يمكنُني وصفَه
ولا يمكنُكَ تخيُّلَه
.. لكن عليكَ أن تراه
تكفيكَ مرةٌ واحدةٌ
مرةٌ واحدةٌ فقط
: حاولْ بعدها عبثاً أن تنساه
.."لَونَ الموتِ"
.. لَون انسحاب الروح
لَون هروب الدم
بعد انتحار الفؤاد
توقُّف الأنفاس
..وبرودة الأوصال
...
أنا لا أنعي إبراهيماً
، هو الآن حيٌ في الديار السعيدة
لكن القلبَ مثقوبٌ
و الفكرَ معطوبٌ
فماذا بعد يا اخوة إبراهيم؟
يا باقي سكان العنابر
يا زبائن المقابر
..يا اخوتي.. ماذا بعد؟؟
إن عوزَكم يقضُّ مضجعي
إن ألمكم يُهيِّج مدمعي
أتمنى حقاً لو أصغي لجميعِ شكاياتِكم
لو يتسع قلبي لأضعافِ حكاياتِكم
لو كان بيدي أن أخفِّفَ آلامَكم
لو أني أملكُ أن أستبقيَ أحلامَكم
أو أزيدَ أعماراً لأعمارِكم
..لكن كيف؟
محدودةٌ أنا يا اخوتي
ومحدوديتي فارغة
وحدُه الحي واهبُ الحياةِ
وحده الحي واهب كلّ حياة
ما أنا سوى مرآة
أو أداة
وحده حيّ واهب الحياة
...
عذراً يا اخوتي
أنا مثلُكم
لحمٌ ودم
جوعٌ وهم
أرضي جدباءٌ كأرضِكم
مثلُكم أنا قفرٌ وقفر
وإن زعمت يوماً أني أعرف المياه
فيا ويلتي
يا ويلتي
..!!لو ظنَّ أحد أني النهرُ
...
يا جميعَ اخوتي
أنا لا أعرفُ لماذا أنا؟
بل إني لا أكاد أعرف من أنا؟؟
لكن هأنذا بينكم
وكل ما لي هو لكم
.. إن كنتم تقبلونني قدر جهلي "أختـاً" لكم